مارك سافايا… مبعوث أميركي خاص إلى العراق يحمل رسائل متعددة وملفات معقدة

المستقلة/ متابعة/- أثار إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن تعيين مارك سافايا مبعوثًا خاصًا إلى العراق اهتمامًا واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية، في خطوة اعتُبرت استثنائية من حيث التوقيت والدلالة، خصوصًا في ظل ما يشهده العراق من تحولات سياسية واقتصادية، وتزايد تعقيد المشهد الإقليمي والدولي.

قرار ترامب، الذي جاء في سياق استعراض فريقه للسياسة الخارجية، لم يكن إجراءً بروتوكوليًا عابرًا، بل يحمل أبعادًا استراتيجية تتجاوز التمثيل الدبلوماسي المعتاد. فتسمية مبعوث خاص لبلد محدد هي إشارة واضحة إلى أن هذا البلد لم يعد ساحة تقليدية، بل تحوّل إلى عقدة محورية في معادلات القوة والنفوذ الجيوسياسي. وفي حالة العراق، فإن الرسائل تبدو متعددة الاتجاهات. أولها أن الولايات المتحدة، أو على الأقل إدارة ترامب الحالية، تنوي إعادة تموضعها في العراق من خلال أدوات أكثر مباشرة وأقرب إلى الأرض، وثانيها أن الملف العراقي لم يعد يُدار من خلف المكاتب في الخارجية الأميركية أو السفارة في بغداد، بل من خلال شخصية ذات علاقات اقتصادية وسياسية معقّدة، قادرة على التفاوض وإدارة المصالح الأميركية بكفاءة ومرونة.

مارك سافايا ليس دبلوماسيًا تقليديًا ولا جنرالًا متقاعدًا من مؤسسات الأمن، بل رجل أعمال أميركي من أصول عراقية كلدانية، يمتلك علاقات قوية داخل الجالية العراقية في ولاية ميشيغن، كما تشير السجلات الرسمية الأميركية إلى كونه من ممولي حملة ترامب السابقة، وظهوره في فعاليات مؤيدة له داخل ديترويت. هذه الخلفية تؤكد أن الاختيار تم بناءً على منطق النتائج لا المجاملات، وأن سافايا سيحمل إلى بغداد عقلية الصفقة لا بروتوكول المراسلات. فهو يمثل توجهاً جديداً في مقاربة البيت الأبيض للمنطقة، يقوم على اختصار السلك الدبلوماسي الطويل لصالح شخصيات “تنفّذ” المهام على الأرض، وتعيد هيكلة العلاقات بناءً على المصالح لا البيانات.

وبحسب ما كشفه باحثون وخبراء في الشأن الأميركي، فإن سافايا كُلّف فعليًا بمتابعة خمسة ملفات جوهرية في العراق: أولها يتعلق بإعادة التفاوض حول الوجود العسكري الأميركي داخل العراق، وهو ملف شائك يتداخل فيه الأمن الإقليمي برغبات داخلية متضاربة، وثانيها يركّز على كبح الفصائل المسلحة الخارجة عن سلطة الدولة ومنع العراق من أن يتحول إلى ساحة مواجهة مباشرة مع إيران. أما الملف الثالث فهو اقتصادي بامتياز، ويتعلق بإعادة هندسة الاقتصاد العراقي باتجاه الخصخصة المنظمة والشراكات المستقرة مع الشركات الأميركية، مع العمل على تقليل النفوذ الصيني والإيراني في القطاعات الحيوية. الملف الرابع لا يقل حساسية، ويتعلق بضمان أمن الطاقة وخطوط التجارة الدولية في ظل صراع الموارد المتفاقم مع روسيا وإيران، فيما يتصل الملف الخامس بالانتخابات العراقية المرتقبة، حيث تسعى واشنطن إلى ضمان أن لا تُفضي نتائجها إلى صعود قوى سياسية معادية بالكامل لها، بما يهدد استقرار التفاهمات السياسية والإقليمية.

ومع أن تعيين سافايا قد يمثل في الظاهر خطوة باتجاه تعزيز الحضور الأميركي، إلا أن السؤال الأكبر لا يتعلق بما تريده واشنطن، بل بما يريده العراق نفسه. وهنا، كما أشار الدكتور ليث شبر في تحليله الأخير، تظهر فجوة استراتيجية خطيرة: العراق لا يمتلك رؤية متماسكة لموقعه الدولي، ولا يمتلك طاولة تفاوض وطنية تعبّر عنه بوضوح. المواقف تتوزع بين أطراف تخشى الانخراط المباشر مع الولايات المتحدة، وأخرى ترحب به سرًا وتسعى لاستثماره في السوق الانتخابي، وثالثة ترفضه علنًا دون امتلاك بدائل حقيقية على الأرض.

الاختبار الحقيقي لا يكمن في شخص المبعوث الأميركي، بل في قدرة الدولة العراقية على أن تخرج من منطقة رد الفعل إلى مساحة الفعل السيادي، وأن تتحرك برؤية نابعة من مصالحها لا من مخاوفها. فالدولة التي لا تمتلك مشروعًا لا تستطيع بناء شراكات، والدولة التي لا تمتلك أوراق تفاوض، لن تُعامل من القوى الكبرى سوى بوصفها ساحة نفوذ متنازع عليها. ومن هنا، فإن دعوات الرفض أو الترحيب لا تكفي، بل المطلوب هو بناء قوة تفاوضية ذكية ترتكز على اقتصاد منتج، وسيادة قرار، ومؤسسات قوية قادرة على إدارة التوازنات.

مارك سافايا جاء ليحمي مصالح بلاده، لكن من يحمي مصالح العراق؟ الإجابة على هذا السؤال لا تأتي عبر خطابات انفعالية أو شعارات سياسية، بل عبر إعادة بناء الدولة نفسها بوصفها مشروعًا لا رد فعل. فحين يمتلك العراق طاولة سيادية يتحدث من خلالها للعالم، يتحول المبعوث الأميركي من وصيّ محتمل إلى شريك مرحلي في معادلة تحكمها قوة الداخل لا هشاشته.

زر الذهاب إلى الأعلى
Betzoid Showcases: New $300 No Deposit Bonus Casinos in Australia