صراع يهدد نزاهة الانتخابات: مخاوف من تعطيل النظام الإلكتروني واستبداله باليدوي

المستقلة / بغداد /- بينما تستعد المفوضية لإجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة وسط أجواء مشحونة بالوعود والدعاية، تتكشف خلف الكواليس معركة جديدة ومن نوع آخر، لا تدور في صناديق الاقتراع بل في قلب النظام الإلكتروني الذي يُفترض أن يحمي نتائجها من التلاعب.

مصدر مطلع كشف لـ”المستقلة” أن ضغوطاً تُمارس من قبل كتل سياسية كبرى تمتلك نفوذاً داخل المفوضية، تهدف إلى تعطيل نظام نقل البيانات عبر الإنترنت واستبداله بآلية نقل يدوية تعتمد على الفلاشات المحمولة (USB).

وبحسب المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه لدواعٍ أمنية، فإن هذه الخطوة تُقدَّم ظاهرياً بوصفها “إجراءً احترازياً لضمان أمن لنقل البيانات”، غير أن الهدف الحقيقي، كما يؤكد المصدر، هو “فتح ثغرات تمكن تلك الكتل من التحكم بالنتائج أو تعديلها قبل وصولها إلى مركز الفرز المركزي”.

وأضاف المصدر أن الكتل بدأت فعلاً ببناء شبكة نفوذ داخل المفوضية، تضم موظفين ومسؤولين ميدانيين في المحافظات، لضمان أن تكون عملية النقل اليدوي تحت إشرافها المباشر. وأوضح أن السيناريو المقترح يقوم على تعطيل النظام الإلكتروني في اللحظة الحرجة ليلة الاقتراع، بحجة انقطاع الإنترنت أو وجود تهديد أمني إلكتروني، ليصار إلى اعتماد الفلاشات كخيار “اضطراري” مؤقت، وهو في الحقيقة الخيار المقصود مسبقاً. وبهذا، تنتقل السيطرة من شبكة إلكترونية مغلقة ومشفّرة إلى مسار يدوي يمكن التلاعب به بسهولة.

العراق أنفق خلال السنوات الماضية نحو مليار دولار لتأسيس منظومة انتخابية إلكترونية متطورة تعتمد على إرسال النتائج فورياً من محطات الاقتراع إلى مركز البيانات المركزي، بهدف تسريع الإعلان وتقليص فرص التزوير. لكن هذه المنظومة، التي كان يُفترض أن تكون ضمانة للنزاهة، باتت الآن مهددة من الداخل. فبدلاً من حماية التقنية للعملية الديمقراطية، تتحول التقنية نفسها إلى ساحة صراع جديدة بين القوى السياسية المتنافسة.

ويرى أحد الخبراء أن ما يحدث ليس مفاجئاً، بل يعكس “جوهر اللعبة السياسية في العراق، حيث لا يُسمح للتكنولوجيا بأن تكون أقوى من إرادة النفوذ”. ويضيف: “الكتل التي تخشى خسارة شعبيتها لا تهاجم الانتخابات علناً، بل تغيّر قواعدها من الخلف. من السهل تبرير كل شيء تحت شعار حماية السيادة الإلكترونية أو منع الاختراق، لكن النتيجة واحدة: تقويض الشفافية”.

التحذيرات من هذا السيناريو ليست تقنية فحسب، بل سياسية في جوهرها. فالتحول من النقل الإلكتروني إلى اليدوي يعني فتح الباب أمام فقدان أو تبديل البيانات، وتأخير إعلان النتائج، وإعادة إنتاج فوضى الشك التي رافقت انتخابات 2018 و2021، حين اضطرت المفوضية لإعادة فرز آلاف الأصوات بعد اتهامات بالتلاعب، ما أدى إلى احتجاجات واسعة واشتباكات قرب المنطقة الخضراء. واليوم، يتكرر المشهد ذاته ولكن بأساليب أكثر دقة وأقل وضوحاً.

من جانبه، أكد الخبير التقني علي عبد الهادي في تصريح صحفي تابعته “المستقلة”، أن “النقل اليدوي يعني عملياً تراجعاً عشر سنوات إلى الوراء”، موضحاً أن كل جهاز تصويت إلكتروني يوقّع بياناته رقمياً ويُرسلها عبر قناة مؤمّنة، بينما الفلاشة اليدوية يمكن فتحها وتعديلها أو استبدالها في دقائق من دون ترك أثر تقني واضح. ويختم بالقول: “كل من يتحدث عن ضمان أمن البيانات عبر النقل اليدوي، إما لا يفهم التكنولوجيا أو يفهمها جيداً لكنه يوظفها لأهداف أخرى”.

في الأروقة السياسية، يدور حديث همس عن تحالف غير معلن بين كتل نافذة وموظفين داخل المفوضية، يسعى إلى تهيئة الأرضية لهذا التحول قبل موعد الانتخابات بأسابيع. ويصف بعض المراقبين تلك الجهود بـ”الانقلاب الصامت”، إذ لا يتطلب صناديق مزورة ولا أوراق اقتراع مزيّفة، بل مجرد تعطيل متعمد لشبكة الإنترنت في ليلة الحسم. بهذه الخطوة، يُفتح الباب أمام التلاعب المبرمج بالنتائج في لحظة لا يمكن فيها التحقق أو المراقبة، لأن العملية تصبح خارج النظام المغلق وداخل يد أشخاص محددين.

مصدر سياسي آخر مطلع على النقاشات داخل الكتل الحاكمة قال إن “الحديث عن تعطيل النقل الإلكتروني يُطرح في الاجتماعات المغلقة منذ أشهر”، مضيفاً أن “بعض القوى تبرر ذلك بخوفها من اختراق خارجي للمنظومة، بينما الحقيقة أن التخوف الحقيقي هو من نتائج غير متوقعة قد تزيحها من الصدارة”.

هذا الصراع لا يدور في الفضاء الافتراضي فحسب، بل في بنية الدولة نفسها. فالمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، رغم اسمها، تخضع في تركيبتها لتوازنات دقيقة بين الأحزاب، ما يجعل أي قرار داخلي، حتى وإن كان تقنياً بحتاً، قابلاً للتسييس. وهنا تكمن خطورة اللحظة الانتخابية المقبلة: النظام التقني الذي أُقيم لحماية الصوت الشعبي قد يصبح أداة لتشويهه.

في الشارع العراقي، تتزايد مشاعر الشك وفقدان الثقة بالعملية الانتخابية. كثير من الناخبين يرون أن النتائج تُصاغ قبل التصويت، وأن دورهم لا يتجاوز أداءً شكلياً. وإذا ما تحقق سيناريو النقل اليدوي فعلاً، فإن هذا الشعور سيتحول إلى قناعة راسخة بأن التغيير مستحيل من داخل النظام، وقد يعيد ذلك مشهد احتجاجات 2019 عندما خرج آلاف الشباب يهتفون ضد الفساد والتلاعب بالإرادة الشعبية.

ما يجري اليوم ليس خلافاً حول وسيلة نقل بيانات فحسب، بل معركة على من يملك مفاتيح الديمقراطية في بلد أنهكته الصفقات والمحاصصات. فبين من يسعى للحفاظ على النظام الإلكتروني كرمز للشفافية، ومن يريد تقويضه تحت غطاء “الاحتراز الأمني”، تترنح فكرة الانتخابات الحرة ذاتها. وفي النهاية، قد لا يكون السؤال من فاز بالانتخابات، بل من كتب النتائج على الفلاشة قبل أن تصل إلى بغداد.

زر الذهاب إلى الأعلى
Betzoid Showcases: New $300 No Deposit Bonus Casinos in Australia