
الدفع الإلكتروني في العراق.. تحوّل رقمي أم إجبار نقدي؟
المستقلة /- في خطوة مثيرة للجدل، أعلن محافظ البنك المركزي العراقي، علي العلاق، أن عمليات الدفع الإلكتروني في البلاد تشهد “نموًا متسارعًا”، سواء في القطاع الخاص أو الحكومي، وذلك بعد دخول قرار مجلس الوزراء بمنع التعامل النقدي في مؤسسات الدولة حيّز التنفيذ مطلع تموز الماضي.
لكن هذا الإعلان، الذي يُروَّج له على أنه إنجاز وطني، يثير العديد من التساؤلات حول مدى جاهزية البنية التحتية الرقمية، وقدرة المواطنين والمؤسسات، خاصة في المحافظات النائية، على التأقلم مع هذا التحوّل المفاجئ.
قرار من فوق.. هل أُخذ المواطن بالحسبان؟
بحسب العلاق، فإن الحكومة العراقية ألزمت جميع مؤسسات الدولة بالتوقف عن التعامل بالنقد والانتقال إلى وسائل الدفع الإلكتروني. ورغم تأكيده على وجود بنية تحتية رقمية “جاهزة”، وتعاون بين البنك والحكومة لتنفيذ القرار، إلا أن الواقع في العديد من المدن العراقية يروي قصة مختلفة تمامًا.
العديد من الدوائر الحكومية ما تزال تُعاني من مشاكل الإنترنت، وتأخر الرواتب، وغياب ثقافة الاستخدام الرقمي لدى الموظفين والمراجعين على حد سواء. فهل يعقل فرض مثل هذا التحوّل دون تأهيل حقيقي للناس؟
5 ملايين جهاز POS و25 مليون بطاقة.. أرقام بلا تأثير؟
يشير العلاق إلى أن أعداد البطاقات الإلكترونية في العراق تجاوزت 25 مليون بطاقة، وأن عدد أجهزة الدفع (POS) تجاوز 5 ملايين، وهو رقم ضخم مقارنة بواقع السوق العراقي.
لكن هل هذه الأجهزة فعّالة فعلًا؟ ومَن يضمن عدم تحوّلها إلى أدوات “شكلية” في دوائر ما زالت تعتمد على “الكاش” خلف الكواليس؟ والأهم: هل كل من يملك بطاقة يعرف كيف يستخدمها؟ أم أن المواطن العادي يجد نفسه في مواجهة نظام معقّد لا يخدم إلا الشركات الكبرى والبنوك؟
تحوّل رقمي أم ربح مصرفي؟
بعض المراقبين يرون أن موجة الدفع الإلكتروني في العراق تخدم مصالح شركات الدفع والبنوك الخاصة أكثر مما تخدم المواطن. إذ تُجبر الناس على دفع رسوم وتكاليف إضافية على كل عملية، في حين كانوا يتعاملون نقدًا بدون أي اقتطاعات.
فهل نحن أمام مشروع وطني حقيقي لتحسين الشفافية وتحقيق الإصلاح المالي، أم أمام سوق جديدة مفتوحة على حساب المواطن البسيط؟
الخلاصة: الإصلاح لا يُفرض.. بل يُبنى
لا شك أن التوجّه نحو الدفع الإلكتروني يمثل ضرورة اقتصادية في عالم سريع الرقمنة، لكن فرضه بشكل فوقي ودون جاهزية فعلية، قد يُنتج آثارًا عكسية ويزيد من التذمر الشعبي، خاصة في بلد يعاني من فجوة رقمية ومصرفية واضحة.
ويبقى السؤال الأهم: هل نحن نعيش ثورة رقمية فعلًا؟ أم مجرد حملة دعائية تُخفي فشلًا مؤسساتيًا في إدارة التحوّل الاقتصادي