
إصلاح الداخل مفتاح سلام الخارج
سعد محمد الكعبي
بين أمواج الفوضى والتحديات المتصاعدة تبرز الحاجة المُلحة إلى إصلاح الداخل كشرط أساسي لإحلال السلام والاستقرار في الخارج، وهي الفكرة المحورية التي تؤكدها بعض نصوص الفلسفة والعرفان التي تناقش العلاقة بين الفضيلة الداخلية واستقرار المجتمع، حيث تُشير بوضوح إلى أن المجتمعات لا يمكن أن تنعم بالسعادة أو الأمن إذا فقدت بوصلتها الأخلاقية.
تشير هذه الرؤية إلى أنه إذا كان الناس لا يُقدرون الفضيلة، فإن الفوضى ستعمّ العالم، وسيفقد الناس الإحساس بالأمان والغاية. وهذا يقود إلى حالة من العداء والانقسام، حيث يصبح الناس أعداءً لبعضهم البعض ويعيشون دون شعور بالرضا أو الطمأنينة وبدون هذا الأساس الأخلاقي، لا يبقى ما يمنع الإنسان من ارتكاب الشر، لأن الموت نفسه لا يُخيف من لا يرى للحياة قيمة.
يقول المفكر لاو تسو ,إذا كان الناس لا يخافون الموت، فما فائدة تهديدهم به، في إشارة إلى أن التهديدات والقوانين وحدها لا تكفي لضبط المجتمعات. بل المطلوب هو بناء وعي داخلي يُقدر القيم ويُعلي من شأن الفضائل.
كما أن الاعتماد المفرط على القوانين والمراسم الشكلية قد يُفضي إلى نتائج عكسية، حيث تغيب الروح الحقيقية للانضباط، ويحلّ مكانها التظاهر والانقياد الشكلي. ولهذا، تُعد تنمية الفضيلة السبيل الأوحد لضمان استقرار المجتمعات، على أن تنطلق هذه الجهود من الداخل، بدءًا من تربية الذات وضبط النفس.
وتبرز أهمية تربية الضمير في المسؤولين قبل المواطنين، إذ إن فساد السلطة ينعكس سريعًا على باقي مفاصل الدولة، ويجعل الأمة فريسة للضعف والتبعية أما إذا صلح الداخل، وساد الوعي الأخلاقي، فإن السلام والاستقرار يصبحان نتائج طبيعية، ويُحبط كل من يحاول تهديد الأمة من الخارج.
إن السلام لا يبدأ من القمم السياسية أو التحالفات الدولية، بل من أعماق الضمير الإنساني. فإذا استقام الأفراد، استقامت الأمة، وإذا صلُحت النفوس، فُتحت أبواب الأمن والسعادة. فصلاح الداخل هو الدرع الحصين في وجه كل ما يُهدد الخارج.