
معمداني نيويورك: المستحيل حصل !
غازي المشعل
فوز المرشح الديمقراطي زهران معمداني بمنصب عمدة مدينة نيويورك، هو زلزال حقيقي أصاب الحياة السياسية في عموم الولايات المتحدة الأمريكية.
ابتداءً ، منصب عمدة نيويورك او اي مدينة في الولايات المتحدة الأمريكية ليس له اية اهمية او ارتداد على الساحة السياسية الوطنية لان نيويورك ورغم حجمها وموقعها كونها مركز السياسة الدولية باحتضان مقر الامم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ، ومركز العالم المالي والتجاري والاقتصادي ، فان هذه المدينة هي واحدة من عشرات الالاف من المدن في امريكا ..والمنصب ليس له علاقة بالسياسة او القرار الامريكي ، بل هو خدمي بالاساس واعتباري بالضرورة ، ولكنه مؤشر على التغيير الكبير الذي طرأ على عقلية المواطن الامريكي مؤخراً ، ودليل على صعود القوى الناشئة والناعمة في المجتمع الامريكي.. وبرهان ساطع على ان العزيمة والإصرار والعمل الجاد يمكن في هذا الزمن ان يخترق جدار المستحيل.
فبعد قرنين ونصف من تأسيس الولايات المتحدة الامريكية بدأت رياح التغيير الجذري في الواقع السياسي تتغير بعد ان كانت الساحة حكراً لليهود الصهاينة وذوي البشرة البيضاء من المسيحيين.
انقلبت المعادلة قبل عقدين بصعود نجم باراك اوباما حتى وصل الى مستوى رئيس الدولة، ثم جاء انتخاب الهان عمر المسلمة المهاجرة الصومالية الى عضوية مجلس النواب عن ولاية مينيسوتا، وبعدها بدأ الماء الراكد يتحرك بانتخاب اعضاء مسلمين او من ذوي البشرة السوداء، او المهاجرين من مختلف أنحاء العالم، الى عضوية مجالس الولايات او بعض القطاعات الخدمية فيها.
لكنها المرة الأولى التي يكتسح فيها عش الدبابير وعرين الاسود شخص : شاب ومسلم ومن اصول هندية واوغندية يجاهر بانتمائه لدينه ومذهبه ويصرح علانية انه ضد الطبقة السياسية الحاكمة في البلاد ، ويصرح وبكل وضوح وشفافية وشجاعة انه تقدمي واشتراكي وانه ضد الكيان الصهيوني والإبادة الجماعية في غزة وانه سيجعل التنقل في نيويورك مجانياً ، وانه سيفتح جميع الملاجئ امام المشردين وسيطبق برنامجاً ضريبياً صارماً على الاغنياء ويمنح الاطفال والشاب تأميناً صحياً مجانياً ، بل يجاهر بانه سيعتقل رئيس الوزراء الاسرائيلي النتن ياهو اذا وطأت قدماه نيويورك ويسلمه للمحكمة الجنائية الدولية.
وبهذه الطروحات الثورية المستحيلة، ورغم وقوف دولة ترامبو بكل ثقلها ضده، وتحالف اثنين وعشرين مليارديراً امريكياً، ورغم ثقل منافسيه السياسي والاقتصادي ورغم محاربته العلنية من قبل اللوبي الصهيوني الذي يحكم المدينة والبلاد منذ قرون وليس عقود، فقد فاز معمداني بمنصب عمدة (محافظ) المدينة الاغلى والاكبر والاوسع والأكثر سكاناً في العالم .. متوجهاً بخطابه العقلاني الى الشباب والمهاجرين واتباع كل الديانات من المسلمين واليهود والمسيحيين والبوذيين، وحتى من لا دين لهم، وكذلك المثليين والمتحولين جنسياً .. توجه إليهم معمداني بخطاب خدمي بحت قابل للتحقيق لانه يعرف امكانياته وحدوده منطلقاً من صدقه ودعم الناس المهمشين الحقيقي له، فحقق النصر وحقق المعجزة بل قهر المستحيل في زمن سيطرت فيه سطوة المال السياسي على كل شيء.
لن يسكت ترامب وادارته واللوبي الصهيوني على هذه الضربة القاضية المزدوجة، واقصد هنا فوز زهراء الهاشمي بمنصب نائب حاكم ولاية فرجينيا، وسيعملون المستحيل بشتى الطرق الشيطانية من اجل اسقاط معمداني والهاشمي .. وغيرهم، بعد ان أدركوا ان الناخب الامريكي استفاق، وان وسائل التواصل الاجتماعي التي اخترعوها للسيطرة على العالم بدأت تنقلب ضدهم، وان عالم اليوم يقوده الشباب والجيل الجديد بدأ يسمع ويرى ويتصدر ويقول كلمته. وان الزمن لن يعود الى الوراء. وهذه حقائق وليست مجرد اوهام. ولذلك اجزم، ورغم ان الإمبراطوريات المالية والسياسية والاقتصادية التي صُدمت بفوز معمداني
وهي في حال تلقي الصدمة الان فانها لن تسكت ازاء ما حصل .. وستغير قواعد اللعبة ووسائل الرد، وأنها ستفعل ذات المستحيل بانتخابات التجديد النصفي للكونجرس بعد عام من الان او الانتخابات الرئاسية المقبلة. حتى لا تضيع منها السطوة وتفلت الامور الى الابد لصالح الفقراء والمهاجرين والمهمشين.
وتبقى الكلمة الاخيرة موجهة الى شباب العرب الصاعدين في كل مكان .. هذا زهران معمداني امامكم دخل عش الدبابير، وحقق المستحيل، وحطم عرش الطغاة .. افلا يثير فيكم هذا العنفوان الشبابي شيئاً؟





