
عقيل الخزعلي: المشاركة الواسعة في انتخابات 2025 ظاهرة تستحق التفكيك
المستقلة / بغداد – في قراءة تحليلية لواحدة من أبرز الظواهر الانتخابية التي شهدها العراق منذ سنوات، فتح رئيس مجلس التنمية العراقي، الدكتور عقيل الخزعلي، الباب أمام سلسلة تساؤلات جوهرية تتعلق بالمشاركة المفاجئة والواسعة للناخبين العراقيين في انتخابات مجلس النواب التي جرت في 11 تشرين الثاني 2025، معتبرًا أن ما حدث “ليس مجرد رقم أو نسبة، بل ظاهرة سياسية واجتماعية تستحق التوقف والتحليل”.
وفي ورقة تحليلية حملت طابع التساؤل المفتوح، وتلقتها “المستقلة”، تساءل الخزعلي عما دفع العراقيين إلى العودة بكثافة إلى صناديق الاقتراع بعد سنوات من الفتور السياسي والتردد الشعبي. هل كانت المشاركة بدافع الأمل بالتغيير، أم أنها جاءت كردّ فعل على تداعيات العزوف السابق وما خلّفه من نتائج صعبة؟ وهل تسلّل الشعور بالمسؤولية الجماعية إلى الوعي العام، بعد تجارب متكررة من الخيبة، أم أن الحضور كان استجابة غريزية مدفوعة بالخوف من مستقبل مجهول؟
وفي معرض طرحه لأسباب تحوّل المزاج العام، أشار الخزعلي إلى أثر الخطاب الديني والمرجعي المعتدل، متسائلًا إن كان قد ساهم في ترميم العلاقة بين المواطن وصوته الانتخابي، بعدما اهتزت بفعل تجارب سابقة محبطة. كما لفت إلى دور منظمات المجتمع المدني وبعض الناشطين الذين نجحوا – ربما – في تحويل الحديث عن الانتخابات من حالة تذمر يومي إلى مبادرة وطنية واعية.
وتناول الخزعلي تحولات مواقف بعض التيارات السياسية الكبرى التي كانت قد تبنت خيار المقاطعة في دورات سابقة، وتساءل عن مدى تأثير هذه التغيّرات في إعادة تشكيل المزاج الشعبي العام. كما توقف عند ظهور وجوه جديدة من المرشحين الشباب، معتبرًا أن هذه العناصر قد تكون ساعدت في تجديد الإيمان بالعملية الديمقراطية، ولو جزئيًا.
وفي محور آخر، طرح تساؤلات حول أداء مفوضية الانتخابات واستخدامها لتقنيات متطورة في العملية الانتخابية، وما إذا كان ذلك قد عزز ثقة الجمهور وقلّص من المخاوف المتعلقة بالتزوير أو الإرباك الإداري.
وفي سياق العلاقة بين البيئة الأمنية والمشاركة، أشار الخزعلي إلى أن الاستقرار النسبي في المحافظات الوسطى والجنوبية قد يكون وفر ظروفًا أكثر ملاءمة ليوم اقتراع هادئ، مما شجع المواطنين على التوجه إلى المراكز الانتخابية.
أما على الصعيد الإقليمي، فقد طرح فرضية أن العراقيين قرأوا التوترات المحيطة بوصفها محفّزًا للمشاركة، لا سببًا للإحباط أو الانكفاء، وأن الانتخابات تحولت من مجرد استحقاق محلي إلى أداة لحماية الوطن من تداعيات الانقسام والاضطراب.
كما توقف عند تأثير المنصات الرقمية، والجدالات اليومية على وسائل التواصل، وحملات التوعية الإلكترونية، وما إذا كانت قد ساهمت فعليًا في ولادة وعي سياسي جديد غيّر اتجاهات التصويت.
وبين الفعل السياسي الواعي والانفعال النفسي المؤقت، تساءل الخزعلي إن كانت المشاركة تعبيرًا عن قناعة جديدة لدى المواطن العراقي، أم مجرّد لحظة انفعالية نجمت عن كثافة الحملات الإعلامية والإنفاق الانتخابي الكبير، الذي بدا في بعض المحافظات مظهرًا من مظاهر التنافس الحاد.
وفي إشارته إلى الأبعاد الاجتماعية للانتخابات، سلط الضوء على كيفية استخدام بعض القوى السياسية للخطاب الطائفي والعشائري في تعبئة الجماهير، متسائلًا عن مدى صحة هذه الحماسة، وهل كانت عقلانية أم انفعالية، خصوصًا في ظل تحديات داخلية كبيرة مثل أزمة الخدمات وتدهور الأوضاع المعيشية.
وتناول الخزعلي قانون الانتخابات الجديد، متسائلًا إن كان قد أقنع الناخبين بجدوى المشاركة، بعدما فشلت القوانين السابقة في تحقيق تمثيل واقعي. كما أشار إلى استخدام أدوات حديثة في الحملات الانتخابية، كتحليل البيانات والذكاء الاصطناعي لاستهداف الشرائح الناخبة، وهو ما قد يكون أعاد تشكيل العلاقة بين الناخب والمرشح على أسس جديدة.
وعن تحوّل المقاطعة السابقة إلى محفّز، تساءل ما إذا كان العراقيون قد تعلموا من تجربة العزوف المرّ، وقرروا هذه المرة الاحتجاج من داخل النظام لا ضده، معتبرًا أن ما جرى قد يكون بداية لمرحلة جديدة من “البراغماتية الشعبية” التي توازن بين الغضب والأمل.
كما طرح تساؤلات حول تأثير هذه النسبة المرتفعة على شكل التحالفات المقبلة ومعادلات السلطة في السنوات القادمة، مؤكدًا أن القوى السياسية مطالبة باستخلاص دروس حقيقية من هذا التحول في المزاج العام، وعدم الاكتفاء بالاحتفال بالأرقام دون فهم ما وراءها.
واختتم الدكتور عقيل الخزعلي ورقته بسؤال مفتوح: هل كانت انتخابات 11 / 11 تعبيرًا عن انتصار الوعي على الإحباط، أم أنها كانت مجرّد صراع محتدم بين قوى تبحث عن البقاء في المشهد؟ وهل تحوّل الصندوق الانتخابي من رمز للتعب السياسي إلى مساحة جديدة لاكتشاف الإرادة الجماعية؟ أم أن خلف هذا المشهد المضيء، لا تزال هناك طبقات غامضة تحتاج إلى تفكيك؟





