ترامب في الكنيست: خطاب رمزي يؤسس لمرحلة جديدة في الشرق الأوسط

المستقلة/ متابعة/- في لحظة سياسية استثنائية، ألقى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب خطابًا أمام الكنيست الإسرائيلي، خلال زيارة رسمية تتزامن مع إعلان صفقة تبادل أسرى بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، وتوقف جزئي للأعمال العسكرية في قطاع غزة. الكلمة، التي وُصفت في الإعلام الأمريكي بأنها “الفجر التاريخي للشرق الأوسط”، لم تكن مجرد تحية بروتوكولية، بل جاءت محمّلة بدلالات رمزية ورسائل استراتيجية تُعيد رسم أدوار اللاعبين في المنطقة.

افتتح ترامب خطابه بإعلان ما وصفه بـ”نهاية عصر الإرهاب والموت”، مؤكدًا أن الشرق الأوسط بات على أعتاب عهد جديد من السلام والإيمان، وقال إن الطائرات أصبحت صامتة، وأجهزة الإنذار توقفت، وإن الشمس تشرق على “أرض مقدسة” تتوق إلى الاستقرار. هذا الأسلوب البلاغي، المليء بالرموز، لم يكن عفويًا، بل عكس رغبة في تأطير زيارته كتحول تاريخي في مسار الصراع الممتد منذ عقود.

في معرض حديثه عن التطورات الميدانية، أعلن ترامب أن صفقة تبادل الأسرى قد أُنجزت بالكامل، وأن جميع الأسرى الأحياء أصبحوا أحرارًا، بينما سيتم إعادة دفن القتلى في ما وصفها بـ”الأرض المقدسة”. واعتبر أن الحرب الأخيرة حققت ما يستطيعه السلاح، لكن المرحلة المقبلة يجب أن تركز على تحويل المكاسب الميدانية إلى مكاسب سياسية وسلمية مستدامة.

من أبرز الرسائل التي وجهها ترامب كانت دعوته الصريحة إلى إطلاق عملية إعادة إعمار واسعة في قطاع غزة، مشيرًا إلى أن التنمية الاقتصادية يجب أن تكون محور المرحلة القادمة. وأكد أن الولايات المتحدة ستكون شريكًا أساسيًا في هذا المسار، داعيًا الفلسطينيين إلى “نبذ العنف” والانخراط في جهود إعادة البناء. هذه التصريحات اعتُبرت محاولة لإعادة تدوير العلاقة مع الفلسطينيين، ولكن بشروط أمريكية جديدة، قائمة على إعادة الإعمار مقابل الهدوء السياسي.

إحدى أكثر اللحظات إثارة للجدل في الخطاب كانت عندما دعا ترامب رئيس إسرائيل إلى منح عفو لرئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، الذي يواجه اتهامات قضائية بالفساد. قال ترامب بصيغة مباشرة: “لدي فكرة، يا سيادة الرئيس، لماذا لا تمنحه عفوًا؟”. هذا التصريح غير المسبوق من زعيم أجنبي أثار دهشة المراقبين، واعتُبر تدخّلًا فاضحًا في القضاء الإسرائيلي، يهدف إلى تقوية حليف سياسي مقرّب في لحظة حساسة.

اختيار الكنيست كمكان لإلقاء الخطاب لم يكن صدفة، بل حمل رمزية واضحة، إذ خاطب ترامب ممثلي الدولة مباشرة في لحظة تتسم بالاحتفال الوطني بإنجاز صفقة الأسرى، وهدوء عسكري نسبي. مشهد التصفيق الحار داخل البرلمان عكس درجة من الترحيب السياسي الواسع، وأسهم في تعزيز صورة الزائر الأمريكي كصاحب مشروع جديد في المنطقة.

في مضمون الخطاب، أكد ترامب أن الولايات المتحدة لا تزال “اللاعب المركزي” في الشرق الأوسط، وأن السلام لا يمكن أن يتحقق إلا تحت مظلة القوة الأمريكية. وقال بصراحة إن التوازن الإقليمي بحاجة إلى “حَكَم قوي”، في إشارة واضحة إلى عودة بلاده إلى موقع القيادة بعد سنوات من الانكفاء النسبي في ملفات المنطقة.

رسائل الخطاب تعدّت الشأن الإسرائيلي الداخلي، لتشمل محاولات لإعادة تعريف الدور الأمريكي في الشرق الأوسط، عبر ثلاثة محاور: أولها إعادة تموضع الولايات المتحدة كقوة ضامنة لاتفاقات السلام والاستقرار، وثانيها تعزيز التحالفات التقليدية، لا سيما مع القيادة الإسرائيلية، وثالثها إطلاق مشروع اقتصادي–سياسي لإعمار غزة، قد يتحول لاحقًا إلى أداة ضغط إقليمي وإعادة هيكلة للمشهد الفلسطيني.

رغم نبرة التفاؤل، لم تخلُ الكلمة من إشارات مثيرة للجدل، إذ رآها بعض المراقبين محاولة لفرض واقع سياسي جديد، دون المرور عبر قنوات الشرعية الدولية أو الإجماع الإقليمي. وقد أثارت تصريحات ترامب حول نتنياهو مخاوف داخل الأوساط القضائية الإسرائيلية من تسييس ملف العدالة، كما شكّك البعض في جدوى مشاريع الإعمار في غزة وسط غياب رؤية شاملة لحل سياسي حقيقي.

الخطاب حمل أيضًا إشارات إلى سعي ترامب لتسجيل لحظة تاريخية تُحسب له شخصيًا، عبر صناعة سردية مفادها أن زيارته إلى الكنيست ليست مجرد محطة عابرة، بل لحظة فاصلة في التاريخ الإقليمي. تعبيرات مثل “الفجر الجديد” و”نهاية الإرهاب” صيغت بعناية لتكريس هذا الإطار الرمزي، وتحويل الحدث إلى ما يشبه الإعلان الرسمي عن بداية مرحلة سياسية جديدة بقيادة أمريكية.

وفيما رُحّب بالكلمة في الأوساط السياسية الإسرائيلية، فإنها قد تواجه رفضًا واسعًا من قبل الأطراف الفلسطينية والعربية، باعتبارها منحازة لرواية طرف واحد، وتتجاهل القضايا الجوهرية المتعلقة بالحقوق الفلسطينية. كما أن الحديث عن إعادة الإعمار دون معالجة القضايا السياسية الأساسية قد يُنظر إليه كتكرار لتجارب سابقة لم تؤدِ إلى سلام مستدام.

في المحصّلة، كلمة ترامب في الكنيست ليست مجرد خطاب سياسي عابر، بل تحمل أبعادًا استراتيجية تسعى إلى إعادة صياغة مشهد الشرق الأوسط برؤية أمريكية جديدة، تمزج بين القوة الرمزية، والمصالح الاقتصادية، والدعم غير المشروط لحلفاء واشنطن التقليديين. غير أن نجاح هذه الرؤية سيعتمد على قدرتها في تجاوز التحديات المحلية والإقليمية، وردود الفعل الدولية، ومدى قابليتها للتحقق على أرض الواقع.

زر الذهاب إلى الأعلى
Betzoid Showcases: New $300 No Deposit Bonus Casinos in Australia