السوداني بين الفيتو والفرصة: معركة الولاية الثانية داخل البيت الشيعي

مهند آل كزار

ماجستير علاقات دولية

تتجه المرحلة التي تلي انتخابات 2025، نحو إعادة تشكيل توازنات السلطة داخل البيت السياسي الشيعي، وهو ما يجعل مستقبل رئاسة الوزراء أكثر تعقيداً مما يبدو على السطح، ورغم أن المؤشرات الأولية تُظهر تراجع قدرة الإطار التنسيقي على الظهور ككتلة صلبة كما كان في الأعوام الماضية، تبقى عملية اختيار رئيس الوزراء مرتبطة بحسابات تتجاوز لغة الأرقام، وتقترب أكثر من شبكة المصالح والضمانات والمواقف الداخلية.

أولاً: الأرقام لا تحسم المعركة

يمتلك ائتلاف السوداني نحو 46 مقعداً، مقابل أكثر من 120 مقعداً لبقية قوى الإطار، وعلى الرغم من أن هذه الأرقام تبدو في غير صالحه، إلا أن التجربة السياسية في العراق تثبت أن تشكيل الحكومة لا يعتمد على حجم الكتلة البرلمانية وحده، بل يستند إلى لتزكية داخل البيت الشيعي، إذ يُحسم اسم رئيس الوزراء داخل الغرف السياسية قبل الذهاب إلى البرلمان.

وكذلك يستند إلى التحالفات العابرة للمكوّنات، والتي يمكن من خلالها ضمان 166 صوتاً عبر أصوات الكتل الكردية والسنية، وبذلك تصبح الأرقام مؤشراً مهماً لكنها ليست العامل الحاسم.

ثانياً: الإطار التنسيقي… التماسك المفقود

الإطار لم يعد كتلة موحدة كما كان بين عامي 2022–2023، العلاقات بين أطرافه اليوم قائمة على التنافس الصامت أحياناً والصراع المباشر أحياناً أخرى، خصوصاً بعد النتائج الانتخابية الأخيرة، هذه المعطيات تمنح السوداني مساحة للمناورة عبر التحالف مع بعض قوى الإطار على حساب أخرى، والاستفادة من التباينات الداخلية، والظهور كخيار “حل وسط” إذا احتدم الخلاف بين منافسيه.

ثالثاً: الأوراق التي يمتلكها السوداني

رغم صعوبة الطريق لا يدخل السوداني المعادلة خالياً من الأدوات. فهو يمتلك:

  1. قبولاً إقليمياً ودولياً معتدلاً يجعله خياراً مطروحاً لدى القوى المؤثرة دولياً وإقليمياً.
  2. علاقات متينة مع القوى الكردية والسنية، وهذه القوى غالباً لا ترفض التجديد له إذا ضمنت استمرار التفاهمات والمكاسب.
  3. رصيداً عملياً داخل الشارع ، قد لا يكون رصيداً انتخابياً ضخماً، لكنه يُستخدم داخل المفاوضات كدليل على قدرة الرجل على إدارة التوازنات من دون هزات.

رابعاً: الاستحقاق السياسي… إطار عام لا يحسم التفاصيل

الاستحقاق السياسي في العراق يضع رئاسة الوزراء في يد المكوّن الشيعي، لكن هذا الاستحقاق لا يحدد الشخص، بل يترك الاختيار للتفاهمات الداخلية وهذا يعني أن حصول السوداني على التزكية داخل الإطار يجعل طريقه إلى البرلمان ممكناً، أما فقدان التزكية فيجعله بلا حظوظ، حتى لو امتلك دعماً خارجياً واسعاً.

خامساً: دولة القانون… العقدة الأصعب في طريق السوداني

يمثل موقف ائتلاف دولة القانون بقيادة نوري المالكي، أحد أهم العوامل التي تعيق أو تسهّل الطريق أمام السوداني، فدولة القانون لا يمتلك وزناً انتخابياً مؤثراً فقط، بل يشكّل محور ثقل داخل الإطار، ويمتلك القدرة على تعطيل أي توافق لا يمر عبره.

  1. تحفظات تراكمت خلال المرحلة السابقة

رغم عدم وجود قطيعة علنية مع السوداني، فإن العلاقة بين الطرفين ليست على درجة عالية من الانسجام، وأن أبرز أسباب تحفظ دولة القانون على السوداني تتخلص:

– شعور الائتلاف بأن السوداني بدأ يكوّن مشروعاً سياسياً مستقلاً.

– الخشية من أن استمرار السوداني قد يقلّص من نفوذ دولة القانون داخل السلطة التنفيذية.

– قراءة بعض قيادات الائتلاف بأن المرحلة المقبلة تحتاج شخصية أخرى لضبط توازنات الإطار، والحيلولة دون بروز زعيم جديد في الوسط الشيعي.

  1. تأثير دولة القانون على ترشيح رئيس الوزراء

 

دولة القانون يمتلك عملياً حق الفيتو داخل الإطار، حتى لو لم يُعلن ذلك صراحة، فغيابه عن أي توافق يعني انقساماً كبيراً داخل البيت الشيعي، وصعوبة تمرير أي مرشح، واحتمال إعادة إنتاج تجارب الانسداد السياسي السابقة.

  1. هل يمكن تجاوز موقف دولة القانون؟

نظرياً يمكن ذلك إذا دعمت قوى شيعية أخرى التجديد للسوداني، لكن عملياً تجاهل دولة القانون يهدد وحدة الإطار، ويجعل أي حكومة مقبلة غير مستقرة أو قصيرة العمر، وبهذا يصبح موقف دولة القانون العقبة الأكثر حساسية في مسار الولاية الثانية.

سادساً: أين تقف فرص التجديد؟

تبدو حظوظ السوداني موجودة لكنها غير مضمونة، ويتوقف نجاحه على ثلاثة عوامل رئيسية:

١. القدرة على بناء توافق داخل الإطار أو جزء مؤثر منه.

٢. استمرار القبول الكردي–السني به.

٣.ثبات البيئة الإقليمية وعدم دفعها باتجاه تغيير جذري في السلطة.

تحقق عاملين من هذه العوامل الثلاثة يكفي لفتح الطريق أمام ولايته الثانية.

المشهد السياسي لا يحسمه حجم المقاعد فقط، بل شكل الاصطفاف داخل البيت الشيعي، وتوازنات القوى العابرة للمكوّنات، وقدرة السوداني على تقديم نفسه كخيار للاستقرار فرصه ليست سهلة… لكنها أيضاً ليست بعيدة.

 

زر الذهاب إلى الأعلى