
الانتخابات البرلمانية السادسة.. التصويت للهوية الوطنية ام الفرعية
ابراهيم الخليفة
يقترب السباق الانتخابي بين الكتل السياسية والاحزاب للدورة السادسة من مجلس النواب من نهايته، بحيث بدأت ترتسم ملامح خريطة البرلمان القادمة، بعدما دخل الصمت الانتخابي حيز التنفيذ صباح يوم 8 نوفمبر، والذي بلغ العدد الكلي للمرشحين فيه (7744) مرشحاً. في الوقت الذي تم استبعاد (848)، مما يعكس حجم التنافس الشديد بين أركان العملية السياسية، والتؤيلات التي رافقت هذه العملية امتدت إلى ما بعد المنظور الوطني، كونها ستكون مفصلية في رسم التحالفات السياسية، وتوجه، وتركيبة، الحكومة المقبلة، وسياستها، على مدى السنوات الأربعة القادمة.
في نفس الوقت زادت ، وتيرة وجهود هذه الأطراف في توظيف المالي السياسي لكسب الاصوات بشراء الذمم ، والجهد الإعلامي المتمثل في الإكثار من الملصقات السياسية، صور المرشحين، وارقام قوائمهم الانتخابية وبرامجهم ،ندوات ، حوارات مباشرة وغير مباشرة ورسائل إقناعيه للجمهور، والتي ركزت فيها على الاستمالات العاطفية قبل العقلانية لكسب عواطف الناس واصواتهم قبل عقولهم، والذي جلب النظر في هذه الجولة، أنها ركزت على البعد الطائفي الديني ،المظلومية ، المناطقية ،القبلية ،والعرقية، على عكس ما كان متوقع لها ان تكون ،وزاد هذا النشاط حدة وشراسة وشمولية وبذخا في صرف الاموال بشكل غير مسبوق ، مع اقترب يوم الاقتراع المقرر له في الحادي عشر من نوفمبر الجاري ،عما كانت عليها في الأيام الخوالي من المارثون، ووفقاً لبيانات شركة ميتا، التي تمتلك منصات فيسبوكFaceBook ،إنستغرام Instagram، واتساب WhatsApp، سناب شاتSnap chat ، فقد تم تمويل منشورات سياسية في البلد بقيمة مليون و808 آلاف و957 دولاراً، وذلك في المدة الممتدة من الانطلاق الرسمي للحملة في الثالث من أكتوبر، وحتى الاول من نوفمبر الجاري، وهذا يفسر حجم الاهتمام بالنتائج التي ستؤول اليها وتأثيرها في رسم السياسة المستقبلية للبلد، في ظل التوازنات السياسية الدولية الهشة في المنطقة ، وحجم التحديات والمراهنات داخليا وخارجيا ، والتي تعبر عن ارتباك المشهد الانتخابي ولمن الغلبة ستكون للمحور الايراني، ام الامريكي، ام ابراز الهوية الوطنية العراقية التي خف بريقها عقب الاحتلال الامريكي للبلد.
أخذ هذا التنافس، من هنا مسارين نحو قبة البرلمان، يتسم الاول والظاهر للعيان الالتزام “جهد الامكان” بمعايير الحملة الانتخابية التي اعتمدتها المفوضية وفق ضوابط وشروط محددة لإدارتها، ومع هذا بلغ عدد الغرامات التي فُرضت على الأحزاب والكتل السياسية والمرشحين المستقلين قرابة (500) غرامة مالية. وهذا مؤشر على حجم المخالفات الظاهرة للعيان رغم محاولات كل الأطراف المتنافسة الالتزام بتعليمات المفوضية.
أما المسار الثاني ،والاكثر أهمية وتأثيرا، ويعتبر مقياس للرأي العام ، ويحظى باهتمام طيف واسع من المتابعين ، والذي يتم عبر الفضاء الإلكتروني ، والمتمثل بمواقع التواصل الاجتماعي Social Media Sites ،تحت مختلف مسمياتها تدار الدعاية الانتخابية ورسائل اقناع بشكل مختلفة المضمون والهدف عما كانت عليه في الجانب الرسمي المنظور ، حيث أخذ الخطاب الانتخابي منحى آخر ،أكثر حدة وتطرف وعدوانية طغى عليه النبرة الطائفية والتطرف واستذكار إرث الماضي مثار الخلاف بين مكونات المجتمع العراقي بهدف اثارة وتغذية مشاعر الجمهور طائفيا وعرقيا وتعزيز ثقافة الانقسام المجتمعي الذي كنا نأمل بأنها خفت حدة بعد سنوات توهجها في اعقاب الاحتلال الامريكي ، وحرب الشائعات والتضليل، والتسقيط السياسي للخصوم من خلال توظيف التقنيات العلمية التي يوفرها الذكاء الاصطناعيArtificial Intelligence (A I) عبر(فيديوهات ورسائل إقناعيه) منشورة عبر هذه الوسائل ولها جمهورها الخاص، وتدار من قبل الجيوش الالكترونية او الذباب الالكتروني الموظف والمدرب لهذه الغاية من كافة الاطراف المتسابقة نحو السلطة التشريعية بهدف تنمية ثقافة الروح العدائية، وخلق أعداء وهميين افتراضيا، والتوجه الطائفي للمجتمع وتفتيته Demassification ، بدلا من الدعوة لتوحيده على اسس الهوية الوطنية او المواطنة، والمصالح المشتركة.
يبدو أن اصحاب القرار في الكتل السياسية وقادة الاحزاب بدأوا يشعرون بتنامي ثقافة عدم المشاركة في الانتخابات ومقاطعتها ،لجأ هؤلاء إلى ابسط الاسلحة لكنها أكثر فاعلية، لتكريس نفوذهم والاحتفاظ بمكاسبهم على حساب جماهيرهم، و تصدرهم لسدة القرار في البلد، رغم كل الاخفاقات وسوء الادارة والفساد وتهالك البنى التحتية التي يمر بها الان، وخوفا من أن تخرج الامور عن ارادتهم لجأوا إلى سياسة التفتيت من خلال اذكاء بؤر الانقسام في المجتمع العراقي، وهي معروفه للجميع فهم يحاولون ردم الهوة أو تجسيرها التي تجذرت بينهم وبين الجمهور، بسبب الفشل تحقيق الوعود التي اطلقوها في الجولات الانتخابية السابقة، بل صارت الدعوة لمقاطعة الانتخاب شيء شرعي، وتنمية الاحتقان السياسي والطائفي بين اتباع المكونات ، يرافق ذلك ، زيادة في نشاطات الجهات الحزبية والسياسية في تقديم ببرامج انتخابيه وهمية تجافي الواقع ولا يمكن تطبيقها، كذلك تفتقر إلى برنامج سياسي علمي يمكن القياس علية ومحاسبة الشخص المقصر في حال وجود اي اخفاق او تقصير مستقبلا ،الوعود والمشاريع المقدمة من جانب هذه الاحزاب التي اثبت الواقع العملي عجزها من ان تلبي طموحات الجمهور لكن بقوالب خبريه مختلفة ومتنوعة..
أن تحليل مضمون البرامج الانتخابية لمعظم الكتل السياسية ورؤساء الاحزاب طيلة المدة هذه يمكن ان نؤشر جملة من المعطيات الحقيقية والسائدة، هي تسيد الخطاب الطائفي والعرقي والعزف على مبدأ المظلومية والحرمان واستذكار الماضي مثار الخلاف بين مكونات الشعب، التأكيد على البرامج التي تحقق اهداف شخصية ومناطقيه، ومصالح ذاتية آنية محدود’ على حساب الاخرين، وعود مكررة على مدار خمس دورات انتخابيه لم يتحقق منها إلا القليل ينعكس بالإيجاب على حياة المواطن ، خلو تلك الشعارات والبرامج الانتخابية من البرامج الاستراتيجية بعيدة المدى في التنمية المستدامة ،وفي حفظ حقوق الاجيال القادمة من ثروات البلد ،ومكافحة التصحر، وحقوق الإنسان وحرية التعبير، وكذلك البرامج التي تعالج او ترسم السياسة الخارجية للبلد وتصحح الاخفاقات او المواقف التي تحد من انفتاح العراق على العالم الخارجي، وبناء علاقات متوازنة مبنيه على المصالح المشتركة، البرامج التي توحد النسيج الاجتماعي وتنبذ الطائفية العرقية، والبرامج الانتخابية التي تعالج المطالبات الموجودة في الدستور، وحتى بعض الكتل او الكيانات التي حاولت التأسيس لبرنامج انتخابي عابر للمناطقية والطائفية، فهي محدودة التأثير وتقف في الظل .
مواضيع النازحين والمهجرين التي وجدت بعد ظاهرة داعش، ومن هنا سيجد المواطن نفسه مضطرا لإعطاء صوته الانتخابي وفقا لتلك الاطر لأنه أصبح مشبع بتلك الافكار لكثرة تعرضه لها، ومشبع بالفكر الطائفي والمناطقي، وفقا لنظرية الاستخدامات والاشباعات Uses & Gratificationوعدم استيعاب دروس الماضي. فالتصويت يتوجب ان يكون، للبرنامج الانتخابي البناء، وبما ان اغلب البرامج الانتخابية التي يقف وراءها رموز طائفيه او عرقيه هكذا تكون النتيجة.
ان قراءة متأنيه للبرامج الانتخابية ومدى تعرض الجمهور لهذه البرامج ، ومن خلال تفاعل المواطنين وعبر ما نلتمسه من المساجلات والمناظرات على مواقع التواصل الاجتماعي، يضع يديه على محصلة نهائية ان التصويت سيتم على اسس طائفي وعرقي وعلى حساب الهوية الوطنية التي كنا نأمل انه وبعد خمس دورات انتخابيه وما رافق هذه الدورات من مظاهر سلبيه ان نعي الدروس المستنبطة خلال عقدين من الزمن، ان تتنحى جانبا الهويات الفرعية والطائفية الداعية لتفتيت وحدة النسيج الاجتماعي والجغرافي ، ويتم ابراز، او اظهار ،التأكيد على الهوية الوطنية الجامعة لكل مكونات المجتمع العراقي، مما يعكس تنامسي سياسية التفتيت ويضع وحدة البلد على خطر ويعزز التوجه مستقبلا نحو مفهوم الأقلمه انسجامنا مع فقرات الدستور ،مما يؤشر سلبا على فشل كل جهود البعض الداعية إلى بناء نظام سياسي جديد اسسه الهوية الوطنية الشاملة التي يتساوى تحت مظلتها الجميع، تحت نظام ديمقراطي حقيقي، وليس نظام ديمقراطية المكونات الذي يختلف تحت سطحه الجميع……………….





