
فائق زيدان يشارك في التصويت بعلامة النصر.. واتهامات بتسييس القضاء
المستقلة / بغداد – أثارت مشاركة رئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي فائق زيدان، في التصويت خلال الانتخابات البرلمانية جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية، بعد ظهوره داخل أحد مراكز الاقتراع وهو يرفع علامة النصر بكلتا يديه، في لقطةٍ بدت احتفالية أكثر منها بروتوكولية، واعتُبرت من قبل مراقبين ومهتمين بالشأن الدستوري رسالةً ذات أبعاد سياسية لا تخلو من التأويل.
وقد انقسمت الآراء حول هذا الظهور اللافت؛ فبينما رأى فيه البعض تعبيرًا عن الثقة بالعملية الانتخابية ودعمًا رمزياً لمسار التداول السلمي للسلطة، اعتبره آخرون تجاوزًا لحدود الحياد المفترض من أعلى سلطة قضائية في البلاد، وقراءة محتملة لاصطفاف ضمني في لحظة سياسية تتّسم بحساسية عالية واستقطاب متصاعد.
الصور التي جرى تداولها على نطاق واسع، والتي تُظهر القاضي زيدان وهو يلوّح بعلامة النصر داخل قاعة الاقتراع، سرعان ما أثارت تساؤلات مهنية ودستورية بشأن مدى اتساق هذا السلوك الرمزي مع مبدأ استقلال القضاء، وضرورة التزامه بحياد صارم لا يقتصر فقط على مضمون الأحكام، بل يشمل أيضًا صورة المؤسسة القضائية في الفضاء العام.
ويرى متابعون أن توقيت هذا الظهور لم يكن معزولًا عن السياق العام، إذ يأتي بعد سلسلة من المواقف العلنية والتصريحات والتأويلات القانونية المثيرة للجدل حول مواعيد الاستحقاق الانتخابي وتفسير المواد الدستورية المرتبطة به، ما جعل أي إشارة رمزية صادرة من رأس السلطة القضائية محمّلة بتأويلات قد تخرجها من إطارها المواطني إلى نطاق التأثير السياسي المباشر.
وتُطرح هنا إشكالية ما يُعرف بـ«الهيمنة الرمزية»، حيث يُنظر إلى هذا النوع من الظهور العاطفي أو الاحتفالي داخل مشهد سياسي، بوصفه تقويضًا ضمنيًا للمسافة التي يجب أن تفصل السلطة القضائية عن الفضاء السياسي، لا سيما في نظامٍ يسعى إلى ترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات. إذ قد يُفهم رفع شارة النصر من قِبل رئيس مجلس القضاء الأعلى، لا كمجرد ممارسة شخصية، بل كرسالة ضمنية ذات طابع توجيهي أو وصائي تجاه المشهد السياسي العام.
ويحذر مراقبون من أن تراكم مثل هذه الإشارات—من مقالات وآراء دستورية إلى مواقف إعلامية ثم ظهور رمزي داخل مركز اقتراع—قد يخلق انطباعًا بأن السلطة القضائية لم تعد تكتفي بدورها التحكيمي المحايد، بل باتت تقترب من التأثير في ملامح “الإطار السياسي” نفسه، وهو ما يشكّل خطرًا على صورة القضاء بوصفه ضامنًا للعدالة ومنظّمًا لقواعد التنافس السياسي، لا طرفًا فيه.
ومع الإقرار الكامل بحق رئيس مجلس القضاء الأعلى، كمواطن، في الإدلاء بصوته، إلا أن شكل المشاركة وطريقة الظهور العلنيّ لا تنفصل عن الدور الاعتباري للموقع الذي يشغله. فالمؤسسة القضائية، التي تُفترض فيها أعلى درجات الانضباط الرمزي، تحتاج إلى الحفاظ على صورة الحَكَم البعيد عن الانفعالات الرمزية والانحيازات الظاهرة، حفاظًا على ما تبقى من الثقة العامة بحيادها وفاعليتها في ضبط المشهد الديمقراطي.
في المحصلة، تفتح لقطة زيدان بابًا واسعًا للتساؤل: هل ما يزال القضاء في العراق قادرًا على الاحتفاظ بموقعه الحيادي الكامل، أم أن رموزه باتوا يشاركون، عن وعي أو دون قصد، في التفاعل الرمزي مع صراعات السياسة وتوازناتها؟ سؤال لا يخص لحظة انتخابية فقط، بل يطال جوهر النظام الدستوري وحدود الأدوار بين السلطات.






