مفاوضات ما بعد الانتخابات ترسم ملامح الكتلة الأكبر والحكومة المقبلة

المستقلة/- مع انتهاء الانتخابات البرلمانية الأخيرة، يستعد العراق لمرحلة سياسية جديدة تتسم بحراك واسع ومفاوضات معقّدة بين مختلف القوى الفائزة، في سعيٍ لتحديد معالم الكتلة النيابية الأكبر التي ستقود عملية تشكيل الحكومة المقبلة. ورغم أن الطريق نحو تشكيل السلطة التنفيذية لن يكون سهلاً، إلا أن الأجواء الحالية تشير إلى هدوء نسبي ورغبة مشتركة في تجنّب الأزمات التي شهدتها الدورات السابقة.

الكتلة الأكبر… عقدة التشكيل ومفتاح الحكومة

تُعد “الكتلة الأكبر” محور العملية السياسية، بوصفها الجهة المخوّلة دستورياً لترشيح رئيس الوزراء وفق المادة 76 من الدستور. ويرى المحلل السياسي كفاح محمود أن تشكيل هذه الكتلة لن يُحسم سريعاً بسبب اختلاف توجهات القوى الشيعية والسنية والكردية، مؤكداً أن المفاوضات ستكون “معقّدة ومتعددة الاتجاهات”.

ويشير محمود إلى أن المكوّنين السني والكردي سيحملان وزناً مؤثراً في رسم شكل الكتلة الأكبر، خصوصاً مع رغبة الأطراف في ضمان مشاركة أوسع وتوازن سياسي يحمي مصالح الجميع.

التحالفات المحتملة… ومصير الرئاسات الثلاث

من جهة أخرى، يصف المحلل السياسي علي حبيب المرحلة الراهنة بأنها “الأكثر توازناً” بين المكونات الثلاثة، ما يفتح الباب أمام تفاهمات واسعة بشأن الحكومة الجديدة. ويؤكد أن توزيع الرئاسات الثلاث لا يزال محكوماً بالأعراف السياسية المتبعة منذ عام 2003:

  • رئاسة الجمهورية للمكون الكردي

  • رئاسة الوزراء للمكون الشيعي

  • رئاسة البرلمان للمكون السني

ويوضح أن هذه الأعراف، رغم الانتقادات، أسهمت في الحفاظ على حدٍّ من الاستقرار خلال مراحل انتقال السلطة.

صراع مبكر على المناصب… ومفاوضات طويلة متوقعة

ويكشف المحلل السياسي محمد زنكنه أن التنافس على المناصب بدأ مبكراً فور انتهاء العد والفرز، خاصة في ما يتعلق بالرئاسات الثلاث. ويشير إلى أن:

  • الاتحاد الوطني الكردستاني يتمسك بمنصب رئيس الجمهورية

  • الساحة السنية تشهد تنافساً بين تحالفات بقيادة محمد الحلبوسي وأطراف أخرى

  • القوى الشيعية تواجه أصعب معاركها المتعلقة بمرشح رئاسة الوزراء

ويُتوقع، وفق زنكنه، أن تمتد المفاوضات لأسابيع وربما أشهر قبل الوصول إلى اتفاق نهائي، إلا أن الحرص العام يميل نحو تجنّب الانسداد السياسي.

سيناريوهات تشكيل الحكومة… توافقات لا صدام

من جانبه، يرى رئيس مركز اليرموك للدراسات الاستراتيجية عمار العزاوي أن الكتلة الأكبر لن تتشكل إلا عبر تحالفات رسمية داخل البرلمان. ويتوقع أن تسعى القوى السنية والكردية لتعزيز مواقعها ضمن الحكومة المقبلة، بينما ستميل جميع الأطراف إلى الحوار المفتوح لتجاوز سنوات التأزّم السابقة.

التوافق… سمة المشهد العراقي

ويتفق المحلل السياسي محمد صلاح مع هذا التوجه، مؤكداً أن “التوافق السياسي” بات صيغة ثابتة في نظام الحكم العراقي، فرضته طبيعة المجتمع وتعدد القوى السياسية. ويرى أن الكتل الفائزة مطالبة بإظهار مرونة أكبر واحترام إرادة الناخبين، لضمان انتقال سلس للسلطة.

الإطار الدستوري… مسار واضح رغم التعقيدات

وتوضح المختصة في القانون الدستوري الدكتورة زينب الساعدي أن جميع الإجراءات الانتخابية تسير وفق الإطار الدستوري. وأكدت أن:

  • إجراء الانتخابات قبل 45 يوماً من انتهاء الدورة السابقة دستوري تماماً

  • المحكمة الاتحادية تصادق على النتائج

  • رئيس الجمهورية يدعو البرلمان للانعقاد خلال 15 يوماً من المصادقة

  • انتخاب رئيس مجلس النواب ثم فتح باب الترشح لرئاسة الجمهورية

  • تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة خلال 15 يوماً

  • رئيس الوزراء المكلّف أمامه 30 يوماً لتقديم كابينته الوزارية

خلاصة المشهد

يدخل العراق مرحلة سياسية حساسة لكنها أكثر هدوءاً من سابقاتها. فالمفاوضات تجري تحت عنوان التوازن والتفاهم، فيما تبرز أهمية بناء تحالفات رصينة بين المكونات الثلاثة للوصول إلى الكتلة الأكبر وتشكيل حكومة قادرة على إدارة المرحلة المقبلة.

ومع أن طريق التشكيل ما يزال طويلاً، إلا أن المؤشرات العامة تعكس رغبة حقيقية في تجاوز الانقسام والاتجاه نحو استقرار سياسي طال انتظاره.

زر الذهاب إلى الأعلى