نظرة موضوعية للعولمة
العولمة واقع أفرزته سلسلة من التطورات الاقتصادية و العلمية و التكنولوجية و الثقافية و السياسية
د. حسين عبد القادر المؤيد*
إن العولمة ، هي السمة البارزة و المؤثرة التي تطبع الحياة العامة في عصرنا على مستوى المجتمع البشري .
لم تكن العولمة اختراعا من تيارات فكرية أو قوى دولية ، و إنما هي واقع أفرزته سلسلة من التطورات الاقتصادية و العلمية و التكنولوجية و الثقافية و السياسية ، و لا يصح النظر الى العولمة – على الرغم من بعض الانعكاسات السلبية التي لا تخلو منها بطبيعة الأحوال أية نقلة نوعية – إلا بوصفها واقعا متقدما .
ليس جوهر العولمة عبارة عن السوق الاقتصادي العالمي بما ينطوي عليه من تبادل تجاري و اعتماد اقتصادي متبادل ، و إنما هي في الواقع تلاشي حدود الزمان و المكان في حياة البشر ، و ما يترتب على ذلك من أنماط و قيم و تأثير عابر للأطر المحيطية المحدودة بأجمعها .
إن هذه العولمة التي أوجدتها حقائق موضوعية ، تتطلب نهجا عالميا مختلفا عن المناهج التي سادت قبل ظهور العولمة و المستمرة الى حد بعيد الى الآن .
فلا بد من الانتقال من المجتمع المدني الصغير ، الى المجتمع المدني العالمي ليتناسب مع واقع القرية الكونية الذي يتصف به وضع المجتمع البشري الآن ، و لا بد أن نتجاوز حدود المواطنة القومية الى المواطنة الكونية التي تتقوم بقيم مشتركة و شراكة اقتصادية و هيكل سياسي يستوعب الأمم على اختلافها ، و نبذ التقوقع في الهويات الفرعية ، لتكوين هوية إنسانية لا تلغي الهويات الفرعية ذات البعد الإيجابي و إنما تحفزها على أن تكون حلقات متكاملة .
إن بلورة مجتمع مدني عالمي ، أهم عامل مؤثر في ضمور التطرف و القضاء على الإرهاب و حل الصراعات و الوقوف بوجه نشوب الحروب .
علاوة على ذلك ، فإن التعددية الثقافية ستجد وضعها الطبيعي في إطار المجتمع المدني العالمي .
و كذلك تتحول العدالة الاجتماعية و الرفاهية من هدف محلي أو إقليمي الى هدف عالمي يفرض نفسه .
إن التطور العلمي و التقني الهائل الذي حوّل الكرة الأرضية الى قرية عالمية ، يستدعي تطور المسيرة البشرية في حركتها المتتابعة ، لتنزع الى التوحد و التكامل ، لتكون تجمعا بشريا متآلفا ، يقوم على المشتركات الإنسانية ، و يترك وراءه الانكماش و التقوقع في الهويات الفرعية ، و ما يستتبعه من تعصب و كراهية و صراع .
*مفكر و سياسي عراقي مستقل
التعليقات مغلقة.